جدتي تسأل عن قابوس

10.5.2013

نسخ رابط الصفحة

في صالة بيتنا تسأل جدتي أبي "أباه طلع قابوس؟".  يكتفي أبي بالتلويج بيده نافيا، ذلك لأن سمعها ضعف، والحديث معها قد يكلف رفع صوت بمعدل يخترق الجدران لتصل الإجابة إلى الجيران فترد جدتي: "طالع؟ ما أشوفه"! تردد جدتي السؤال كثيرا، وبلهجتها المحلية تعبر عن استياء شوق: "تو هين من لقرن موجود" "ما له هجس بعيد الشر". (في أي الأراضي هو الآن، لم نسمع عنه، ابعد الله الشر  عنه).

قد لا أفهم وأنا المولود في العقد الثاني من النهضة العمانية هذه العلاقة بين جدتي وجلالة السلطان حفظهم الله ورعاهم*، وبتعبير آخر علاقة الكبار ببعضهم. لو كنت أملك مقدرة لمكَّنت جدتي من ايصال سلامها وسؤالها الدائم إلى حضرة صاحب الجلالة، ولو كنت أملك المقدرة لدعوت كبار السن فقط لا غيرهم، تحت شجرة واسعة الظلال، يتوسطهم جلالة السلطان. أجعلهم يعيشون لحظاتهم الخاصة، يتحدثون في أحاديث تخصهم، وبحكمتهم يقلبون المسائل. سأقف من بعيد أراقبهم، ضحكاتهم، هزات عصيهم، رقصات سيوفهم، ألوان ثياب نسائهم.. دخان نار قهوتهم، سواد حلوتهم!

جدتي ضعف سمعها، لو كانت تسطيع سماعي لفصَّلتُ لها حياة حاكم عمان، سأحدثها عن رحلاته وإنجازاته، سأخبرها بأن الوصول إليه بات صعبا وليس مثلما كان. سأقنعها لتتفهم ذلك، فظروف الزمان تغيرت. لا أعلم متى ستتوقف جدتي عن السؤال! لكن استمري فلن نمل من الإجابة، سنلوح أيدينا بالتأكيد حينما يظهر على التلفاز والنفي عندما تكون الإجابة لا، استمري لتؤكدي لنا كل يوم ذلك الحب الذي جمعكم لبناء "عُمان".

* توفت جدتي عام 2014، توفى السلطان قابوس عام 2020 .. رحمهم الله