إلى مواطني مملكة آبل!
13.7.2017
الأحداث: شهر ديسمبر ٢٠١٧، الساعة ٧ صباحا، سان خوسيه.
كعادة Andy يتصفح صبيحة كل أحد أحدث الأخبار ومحفوظاته في Pocket، ويشرب الشاي الأخضر الذي يجلبه عادة من الصين، يفعل ذلك بصحبة iPad Pro. آندي شغوف بالتكنولوجيا، ومستخدم متقدم لمنتجات آبل، لذلك ليس غريبا أن تجد منزله عامرا بمنتجات آبل، وأن أبناءه الثلاثة ينشؤون على تقنياتها.
يضع آندي كوب الشاي على الطاولة، ليستخدم كلتا يديه في تحديد عدد من الصور ونقلها لبريده، إلا أن رسالة iMessage باغتته من Sara -ابنته ذات الحادية عشر من عمرها-، الرسالة تحمل رابطا لحذاء من Nike بسعر ٩٠ دولارا. يتبع الرابط أيقونتين (دولار، ورجاء).
يبتسم آندي، فهو فهم المغزى من كل ذلك، ومن تطبيق الرسائل ذاته يستخدم Apple Pay ليرسل بكل الحب لابنته ٩٠ دولارا، ويتبعها بقلب حب..
انهمرت الأيقونات الفرحة من سارا، قلب حب، ورد، رقص، ورياضة..
كانت هذه افتتتاحية يوم مفرحة لآندي، لذا التقط صورة للشاشة، وشاركها في ذكرياته على تطبيق Day One.
إنه مشوار طويل ذلك التي قطعته آبل في مسيرتها لكي تقترب من هذا العمق الإنساني، وتبني مملكتها الخاصة بها، تلك المملكة التي تقول بأن كل منتجات آبل ستعزف معا لحياة أفضل من وجهة نظر صناع القرار في آبل.
ليس كلاما تسويقيا أو إنبهارا بآبل، على الرغم من اعترافي بذلك، لكنك أن تكون قويا وتصمد لتقدم الإنسان على إغراء فنتازيا التكنولوجيا وتتجاهل الضغط الجماهيري، لتقول "إنني أعي ما أفعل"، لهو أمر يستحق التقدير.
حسنا، لا أعني بأن آبل تعي ما تفعل تماما، فقد ارتكبت الكثير من الحماقات، ونست جمهورها الذي انطلقت منه لفترة (وهم مستخدمي حواسيب ماك) .. وتحت قيادة تيم فقدنا حدس ودقة ستيف.. لكن آبل وسط هذا الزحام والمتغيرات التقنية أجدها حقا ما زالت تحتفظ بروحها وتقترب كل مرة من نفسها، أو بتعبير أكثر دقة: تقترب من رؤية مؤسسها الروحي ستيف جوبز.
عزيزي ستيف جوبز، رؤيتك أقتربت أكثر من ذي قبل!
كان ستيف جوبز يحلم بمملكة آبل حيث تسيطر آبل على تجربة المستخدمين لمنتجاتها وخدماتها، نسمي ذلك بالنظام المغلق، إذ تمتزج الأنظمة والخدمات والأجهزة بطريقة متكاملة تجعل من السهولة التنقل بين احتياجات المستخدم والتي تتمثل على شكل منتجات: الحاجة لسماع الموسيقى عبر iPod، الحاجة لسماع الموسيقى عبر iPhone، الحاجة لسماع الموسيقى عبر iMac، الحاجة لسماع الموسيقى عبر Apple TV .. ستختار أحد هذه المنتجات لسماع الموسيقى وفق طبيعة الحالة التي أنت فيها، ستجد مكتبتك الموسيقية والقوائم المفضلة بين كل هذه الأجهزة. الأمر ينطبق على الملاحظات والرسائل والمكالمات ومكتبة الصور وغيرها من الوظائف العديدة.
الفكرة هذه رفضها بيل جيتس وغيره من قيادات التكنولوجيا والأعمال، إذ اعتبروها نموذجا تجاريا يحد من انتشار الأنظمة والمنتجات، وقد لا يحقق ربحا وافرا كما تفعل مايكروسوفت حينما تتيح لجميع المصنعين استخدام نظام ويندوز على حاسباتها. لكن في وقت متأخر اعترف بيل جيتس بأن ستيف جوبز نجح في تحقيق تلك الرؤية، كان هذا قبل سنوات.
غادر ستيف الحياة، ولكن ما غادرت رؤيته بل زادت نموا وعمقا، لقد اقتربت منتجات آبل من بعضها لمستوى لم تصل له من قبل تكنولوجيا وبصريا! فأنا أكتب هذه التدوينة على الماك والهاتف بسلاسة تامة، وألتقط الصور بالآيفون، ثم أحررها بخيارات متقدمة عبر برنامج الصور في الآي ماك، وقد يبدو هذا عاديا مع الوقت ولكن ثمة جهد غير عادي يجعل من التجربة مريحة وثرية.
وزنياك -الشريك المؤسس لآبل- والمعروف بأخلاقه وحبه للناس، كان يعد هذا النموذج "النظام المغلق" بأنه "حظيرة متنقلة"، بالنسبة لوزنياك هذا النموذج انقلاب على شعار القراصنة الأحرار الذي انطلقت منه آبل، أما بالنسبة لي -وربما لك- فهو نموذج يربي على وجود أتباع وأسرى لمنتجات آبل لا يمكنك أن تنفك عنها مع الوقت! لذا فهو مدعاة للتخوف رغم مزاياه العظيمة، هذا لا يعني الشعور بالرعب، بل يتطلب منا الوعي بما يحدث في هذه المملكة المتسعة كل يوم.
في حدث مؤتمر آبل للمطورين ٢٠١٧، أعلنت آبل عن العديد من المزايا والتقنيات التي زادت القرب بين منتجاتها وأنظمتها، وأكثر من ذلك القرب من مبادئها وقيمها! فخدمة الرسائل iMessage باتت مستخدمة بكثرة لدى مستخدمي آبل، وقد أولت آبل اهتماما عاليا بهذه الخدمة، ففي كل إصدار نجد المزيد من التحديثات التي تضفي حيوية لرسائل iMessage المتوفرة على iOS وmacOS. لكن ماذا لو قررت إنهاء سيرة هاتفك الآيفون مثلا، ستنحذف الرسائل صحيح؟ أو تضطر لنقلها للهاتف الجديد وبالتالي استهلاك مزيد من المساحة! مع نظام iOS 11 وفرت آبل خاصية مزامنة الرسائل مع icloud.com، هذا يعني بأنه يمكنك تصفح رسائل iMessage عبر icloud.com حتى ولو حذفتها من هاتفك! هذا يعني الكثير إن كان يهمك الحفاظ على الرسائل، على الأقل بالنسبة لي!
ولأن التصوير عبر هواتف آيفون الحديثة وخاصة iPhone 7 Plus يتميز بالجودة العالية، فطورت آبل تطبيق Photos في نظام macOS High Sierra، فمبجرد التقاطك للصورة عبر الآيفون أو آي باد، يمكنك تحرير الصورة عبر تطبيق Photos في الآي ماك الذي بات أكثر تطورا وداعما لتحرير الصور على تطبيقات أخرى مثل الفوتوشوب. حسنا، احفظ الصورة، ثم انتظر ثوان لتصفحها على الآيفون ومشاركتها الآخرين. بصراحة تطبيق Photos بات رائعا وممتعا، بفضل خيارات التعديل الاحترافية، وخيار تحرير Live Photo، وتحسين عرض ألبوم الأشخاص، أليس ممتعا تصفح ذكرياتك على شاشة iMac أو iPad Pro؟! بهذه الطريقة تجيد آبل العزف على احتياجات الناس بتقديم خيارات وتحسينات تبدو بسيطة ولكنها فعلا ثرية بما تحمله من ترفيه اجتماعي!
لا أرغب في التطرق لكل المزايا، فحتما الفكرة وصلت! ولكن ما أرغب بالحديث عنه أيضا هو ذلك التحدي الذي أعلن عنه تيم كوك يوما ما وأوفى بوعده!
شكرا تيم، ها أنت ذا تفي بوعدك!
١- أهلا بالواقع المعزز، والواقع الافترضي:
مع موجة انتشار أجهزة الواقع الافتراضي VR، كان رأي تيم كوك في أكثر من مناسبة هو أن الواقع المعزز AR هو الخيار الذي ينبغي الاستثمار فيه لتحقيق تجربة اجتماعية ممتعة ومفيدة، ذلك لأن الواقع الافتراضي يعزلك فعليا عن العالم الذي حولك، في حين تجعلك تقنية الواقع المعزز تتفاعل مع البيئة والأشخاص من حولك! وها هي آبل تأتي بثقلها لتقدم تقنية الواقع المعزز في نظام iOS 11، هذا يعني بأن ملايين الأجهزة التي تعمل بنظام iOS 11 ستكون قادرة على تجربة الواقع المعزز! مذهل أليس كذلك؟ لقد شاهدت كيف أن المطورين بدؤوا في استخدام هذه التقنية، وكم هو أمر ميسر ابتكار مثل هذه التجربة على تطبيقات iOS! نحن فعلا ندخل مرحلة جديدة من التفاعل الرقمي!
أما الواقع الافتراضي فقد دعمته آبل على أجهزة macOS الحديثة، فهي تقنية مهمة لا يمكن الاستغناء عنها في محاكاة الواقع سواء في الصحة أو التعليم، أو مختلف مجالات الترفيه. المعادلة باتت بسيطة: الواقع المعزز لكل الناس، الواقع الافتراضي لبعض الناس.
١- التعلم الآلي للمطورين:
أغلب تقنيات الذكاء الصناعي تعتمد على معالجة البيانات على الخوادم الخاصة بالشركة كما تفعل جوجل، في حين ترفض آبل القيام بهذه الخطوة لأنها تتعارض مع ادعاء آبل في الحفاظ على خصوصية المستخدمين، هذا الأمر جعل آبل متأخرة إلى حد ما فيما يتعلق بالذكاء الصناعي في وقت سابق، لكن ليس بعد الآن -أو هكذا على ما يبدو- فقد احتفظت آبل برهانها وأطلقت Core ML للتعلم الآلي. فباستخدام بضعة أسطر برمجية يمكن للمطورين الاستفادة من إطار التعلم الآلي في تطوير تطبيقات أكثر ذكاء، مستخدمة خواص عديدة مثل: تتبع الوجه، اتجاه النص، اكتشاف الباركود، اكتشاف العناصر المستطيلة (للواقع المعزز، تصوير المستندات الأوراق)، تتبع الكائنات.
فبفضل التعلم الآلي والذكاء الصناعي، ستتمكن Siri من خدمتنا أكثر -أعترف بأني ما زلت أكره Siri!-، تقول آبل: "لطالما كان Siri أكثر من مجرد صوت، وأصبح مع iOS 11 أكثر إفادة. فهو يتعلم منك ويستطيع استباق ما تريد وتقديم اقتراحات قبل حتى أن تسأل. كما أن كل ما يتعلق بك مشفّر بين الطرفين، ما يحافظ على خصوصية معلوماتك الشخصية."
ستمضي آبل قدما في بناء مملكتها الممتزجة بالأنظمة والخدمات والأجهزة الإنسانية بدء من تلك الملتصقة بأجسامنا، مرروا بالبيت الذي نسكنه وبيئة العمل التي نقضي معظم يومنا فيها، إلى السيارات والدراجات والبيانات الضخمة حول حياتنا في خوادم آبل السحابية! كل ذلك سيشكل تجربة مبهرة تجعل من حياتنا سهلة وأكثر إنتاجية، ولكن في ذات الوقت سيبقى الهاجس حاضرا حول بياناتنا الخاصة والضخمة في "لو" اخترقت هذه المملكة من قبل جهة ما!
الخلاصة:
- تركز آبل على إثراء تجربة المستخدمين، وذلك بالتركيز على تطوير الخصائص الموجودة حاليا والإضافة لها.
- في كل إصدار تقترب أنظمة التشغيل لدى آبل من بعضها، وقد لا يشعر بذلك إلا من يمتلك أجهزة آبل المتنوعة: آيفون، آي باد، ماك، ساعة آبل.
- تثري آبل محفظتها المالية مع كل إصدار، فمزامنة رسائل الآي مسج يعني استهلاك مساحة ليست بالقليلة من الآي كلاود، فضلا عن مكتبة الصور! مع ذلك نظام iOS 11 ونظام macOS High Sierra يقدمان معيارين HEIF وHEVC للصور والفيديوهات من شأنهما تقليل حجم الصور والفيديوهات إلى ٤٠٪! كما أن آبل قامت بتعديل سعر الباقة الأخيرة من آيكلاود لتكون ٢ تيرا بدلا من ١ تيرا!
- آبل لديها التوجه الاجتماعي والإنساني، لذلك كان تركيزها على دعم أجهزتها للواقع المعزز لما له دور من تحقيق تفاعل بين الناس.
- تحترم آبل خصوصية الناس لذا ابتكترت نظام التعلم الآلي، ليفهم النظام والتطبيقات سلوك المستخدم وتقديم المقترحات له بطريقة مشفرة لا تتجاوز الجهاز!
- يمكن الاستفادة من تكامل أنظمة وأجهزة آبل لتحقيق تجربة ثرية، مع ذلك نصيحتي لك "كن واعيا"، ولا تلقي بكل بياناتك في سلة واحدة، استخدم تطبيقات وخدمات تتوفر في أنظمة أخرى مثل Dropbox، وEvernote.